قضايا الارهاب والعنف والتطرف
مفهوم الجهاد إن الجهاد في الإسلام بمعنى القتال لا يكون إلا عند الضرورة ، ذلك أن الإسلام يعد الحرب جريمة وخرقا للسلام لا يقبلها إلا إذا كانت لها دواع مشروعة ، ولا شك أن أول آية شرعت الجهاد ربطته برد الظلم والعدوان ، قال تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }{ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } (1) ، ومعنى الآية الكريمة مقدر فيه محذوف هو القتال أي أذن القتال ، وهذا ما يؤكده عز وجل في قوله: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } . (2)
_________
(1) الحج ، الآيتان : 39-40 .
(2) البقرة ، الآية : 216 .
ويستشف من هذه الآية في إعلان واضح ومبدئي أن القرآن صريح في بيان كون الفطرة الإنسانية تنبذ العنف وتكره استعمال القوة أو الإفراط في هذا الاستعمال ، إنها فطرة مسالمة سلمية ، ومعنى هذا أن التأسيس لحكم شرعي بالمسالمة وتجنب العنف يستند على فطرة كراهية القتال مما يقوم دليلا واضحا على أن القتال حالة استثنائية في الإسلام .
إن الإذن بالقتال نزل في سياق الدفاع والاقتصاص ، وهذا هو الشرط الوحيد والظرف الاستثنائي الذي يجيز فيه الإسلام استعمال القوة ، فهو يجيزها لمواجهة القوة ، إنه استعمال أسلوب الردع لمواجهة الاعتداء ، مما يعني أن استعمال القوة في الجهاد حالة اضطرارية تتوقف فور توقف دواعيها ، قال تعالى: { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } (1) وجواب الشرط هنا بالفاء الملزمة بالفور والسرعة والعجلة ، فبمجرد ما يكف العدو عن الاعتداء على المسلم أن يتوقف فورا عن عملية رد هذا الاعتداء ، فهذا عهد سلم لكف الأذى المتبادل يأمر القرآن بتبنيه .
_________
(1) الأنفال ، الآية : 61 .
وقد اتفق فقهاء المسلمين على أن الجهاد بالمعنى الاصطلاحي الفقهي لا يكون إلا ضد الكفار الذين لا تربطهم بالمسلمين معاهدات ولا يعيشون بين المسلمين بعلاقات الذمة .
وهؤلاء الكفار على قسمين
أ - أهل الكتاب ، إذ لا سبيل إلى إعلان الجهاد عليهم طالما أن هناك معاهدات دولية تربطنا بهم ولم يقدموا على غزو بلادنا .
ب- المشركون ، ويقصد بهم:من يعبدون غير الله كالأصنام والنار والكواكب وغيرها ، هؤلاء بيننا وبينهم فواصل كثيرة ونرتبط ببعضهم بمعاهدات ومواثيق تمنع قيام حرب جهادية ضدهم .
وأما المسلمون وهم كل من شهد الشهادتين ولم ينكروا ضروريا من ضروريات الدين ، فإن هؤلاء جميعا مسلمون وهم جزء من الأمة الإسلامية بالمعنى السياسي الاجتماعي .
ولا يشرع الجهاد - بالمعنى المصطلح عليه - ضد المسلمين بأي وجه من الوجوه . (1)
أما الأجانب غير المسلمين الموجودون في البلاد الإسلامية بإجازات دخول وإقامة عمل من قبل حكومات البلاد الإسلامية فإنه ينطبق عليهم ما ذكره الفقهاء جميعا وأجمعت عليه المذاهب الإسلامية من كونهم ( أهل العهد وأهل الأمان وأهل الذمة) ، وهم ليسوا بهذا الاعتبار موضوعا للجهاد قطعا . (2) وإنما ينبغي شرعا حمايتهم وحفظ أنفسهم وأموالهم وأعراضهم من كل أشكال العنف ضدهم أو الاعتداء عليهم .
_________
(1) د عمر عبد الله كامل :المتطرفون ، ط الأولى ، بيروت 2002 م ، ص 209 .
(2) قال النووي في المجموع 1 / 437 : « . . . فيجوز للكافر أن يقيم فيها - يعني سائر بلاد المسلمين بعهد وأمان وذمة . . . » .
من جهة أخرى فإن القرآن الكريم عندما يتحدث عن ضبط العلاقات مع الآخر يحددها تحديدا عمليا قائما على محدد واحد وهو درجة استعماله للعنف ، قال تعالى : { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }{ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ } . (1)
بل حتى في حالة القتال كحالة اضطرارية فإن الإسلام يضبط الأخلاق المصاحبة له ويشدد عليها مثل النهي عن قتل النساء أو الأطفال أو الشيوخ أو الأسرى ومراعاة البيئة .
وعدم التشهير والتنكيل بجثث القتلى ، فالمسلمون مأمورون بالإحسان حتى في حالة الاضطرار إلى القتال ، ومأمورون بالرفق حتى في حالة استعمال القوة .
هكذا نرى إذن أن النصوص الشرعية تتحدث عن القوة والحرب والجهاد بوصفها كرها لنا وحالات استثنائية ودفاعية واضطرارية ، وهو يقيدها بكل الاحتياطات والضوابط الإنسانية المشروعة .
_________
(1) الممتحنة ، الآيتان : 8-9 .