قطر الغمام.
أما بعد فإني وضعت هذا الكتاب ، وسميته تنبيه الأصحاب ، وعين الصواب ، يشتمل على ثلاثة ابواب .
الباب الأول في معرفة سيد الأقوات ، والمحبوبة في غالب الأوقات ، عند أهل السنة والجماعات ، الغنية شهرتها عن التحديد ، والمسماة عند غالب الناس بالعصيد ، فتنبهت على ما لابدّ منه ، وأشرت إلى ما لا غنًا عنه ، أسأل الله أن ينفع بها الآكل والعاصده ، وأن يجعلها من أعظم مائده ، وأربح فايده .
فأعلموا عباد الله أن العصيد لها ثلاثة أركان فلا تصح إلاّ بها:
الركن الأول الماء ، وشرطه أن يكون حاليًا ، حلوا عذبًا ، فلا تصح بالماء المالح على الصحيح ، وكلما زادت حلاوتها فهو احسن ويجب أن يمرس فيه التمر ، لأن به صلاح الأمر ، وإن كان جزاز أو مديني فهو اكمل ، وان يغلى على النار قبل طرح الطحين ، ثم يصفى ، وتسن تنقيته ، وتصفيته ، وأن ينخله بمنخله حافظه .
الركن الثاني الدقيق ، أكمله واحسنه ، دقيق البر نقي خالص ، ويصح خلطه بذرة الشتا ، وأن يكون ثلاثة أخماس ، ومن ذرة الشتاء خميسيين ،ويجوز بذرة الصيف اذا عدم الشتا ، ويكره بذرة الموسم أشدّ كراهة ، والأصح عند المحققين أنها تحرم.
الركن الثالث الدقيق يجب نخله ، وتسن تنقيته ، ومن سننها المتأكده الحيدوان ، وفي قول يجب ، وان العاصدة ان تكون امرأة كاهلة صحيحة الجسد والمنظر ، وان تكون قد أكلت ماتيسّر ، قبل أن تستبدي في العمل ،
مسألة :هل تصح عصيد الرجل أو تكره أو تحرم ؟ ففي ذلك ثلاثة اقوال، أظهرها الكراهه ، قلت : الأصح عند الجمهور من العلماء الثقات ، وجزم بها أعيان تريم ، انها تصح عصيد الرجل ، بلا كراهه ، في السفر ، لأصحابه ، أوخبرته ، أورفقته .
ومن شروطها المتأكده السمن ، وتسن التفروصه وقيل تجب ، وقيل تكره بالصليط ، والوَدَك أشدّ كراهة ، وقيل إنها تحرم ، ثم يفعل للسمن حبس ، ويكره وضع السمن في فنجان والتوكيز فيه ، بخلاف الهريسة ، والفرق بينهما واضح وجلي ، والأصح عند المحققين أن السمن العولقي مع العصيدة مستحب احسن من العِكَّه ، إلا في التفروصة فيستويان ، وتسنّ بل يجب على القادر أن يحضر مع العصيد عسلا ، خصوصا في أيام الشتا والربيع ، واختلف اصحابنا في وضع العسل ، قال بعضهم : يوضع في الحبس مخلوط بالسمن ، وقال بعضهم : يفرّق في جوانب الصحفه ، قلت : الأصح أن وضعه في الحبس أولى لما في وضعه على الجوانب من اختلال اللقمة وعدم انقباضها ، ويسنّ لمن يتعسّر عليه العسل أن يجعل بدله سنكرًا ابيض .
ولها اربعة أوقات ، وقت فضيله ، وهو من طلوع الفجر الصادق الى قبل طلوع الشمس ،ثم وقت جواز بلا كراهه ، من طلوع الشمس الى ان ترتفع قدر رمح ، ثم وقت جواز مع الكراهه من ارتفاع الشمس الى الاستوا ، ثم وقت حرمه ماعدا ذلك ، وفي عصيدة الليل ثلاثة اقوال : أظهرها الكراهه ، إلآّ في شهر رمضان فيجوز السحور بها من غير باس ، ولا تصح بوقيد حطب التشريق ، فإنه يورث الحريق ، كمثل الكرب والليف ، فإنه ماينجح الشِرق والمغاضيف .
منقــــــــــــول